1. لماذا كان رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم يدعو ويصلّى على عبد الله بن أبي بن سلول و هو منافق؟
2. ولماذا كان رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسلّم يدعو على قبيلة دوس مع أنّهم كافرون؟
الجواب
عبد الله بن
أبي بن سلول هو زعيم المنافقين ورئيسهم في المدينة وكان
الّذي يشير فتنة على عائشة فى حديث الافك، وكذالك الذي يقول "هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (المنافقون : 7)، يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (المنافقون : 8) فلذالك سمّي بالمنافق على إفكه
وقوله.
وقد نزلت
الآية عن منع الاستغفار على المنافق، بل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو
على عبد الله بن أبي بن سلول و يصلّى عليه كما ورد فى الرواية.
لما مات عبد
الله بن أبي بن سلول اتى ابنه النّبيَ صلّى الله عليه وسلّم و سأل أن يشهد ابيه فى
موته ويصلّى عليه. فصلّى عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليه، و كانت هذه
الصّلاة قبل نزول النهى الصريح عن الصّلاة على المنافقين فى قول سبحانه وتعالى
"وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ( التوبة :84) .فكان رسول الله
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم فعله لتطييب قلب ولده عبد الله بن عبد الله بن أبي بن
سلول و كان من فضلاء الصحابة وشهد بدرا ومابعدها واستشهد يوم اليمامة فى خلافة أبى
بكر. ولتألف قومه من الخروج لرياسته فيهم، فلو لم يجب سؤال ابنه و ترك الصلاة عليه
قبل ورود النهى الصريح لكان سبة على ابنه و عارا على قومه فاستعمل أحسن الامرين فى
السياسة إلى أن نهي فانتهى. [1]
وهذه أيضا تدلّ على مكارم أخلاق رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم و حسن معاشرته
لمن انتسب إلى صحبته،[2] مع
أنّه تأذى من افك عبد الله بن أبي بن سلول أذى شديداً.
وأمّا قول عمر
"يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلِّى عَلَيْهِ وَ قَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ
تُصَلِّىَ عَلَيْهِ" قال القرطبى ذلك وقع فى خاطر عمر فيكون من قبيل الإلهام،
ويحتمل أن يكون فهم ذالك من قوله "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( التوبة :113)".[3]
"وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ" هذه الآية تدلّ على
منع الدّعاء على الكافر، لأنّ ذنب الكفر لايغفره الله. و إِنَّمَا الصّلاة على
المَيِّت لطلب المغفرة للميّت و الشَّفاعة له، فلذالك استلزم عنده النّهي عن
الاستغفار ترك الصّلاة، فلذالك جاء عنه فى الرواية إطلاق النّهى عن الصّلاة. وترك رسول
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم الصلاة على المنافق بعد نزول هذه الآية.
ولماذا كان رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم يدعو
على قبيلة دوس مع أنّهم كافرون؟
حدّثنا عليّ حدّثنا أبو الزّناد عن الاعرج عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : قَدَمَ الطُّفَيْلُ ابْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللهِ
صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ "يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّ دَوْسًا
قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ الله عَلَيْهَا، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو
عَلَيْهِمْ، فَقَالَ "اللهمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأتِ بِهِمْ (رواه البخاري)[4]
ذكرت وجه الجمع بين الترجمتين : الدعاء على
المشركين و الدعاء للمشركين و أنّه باعتبارين, و حكى ابن بطال أنّ الدعاء ناسخ
للدعاء المشركين و الدعاء للمشركين و دليله قوله تعالى "لّيْسَ لَكَ مِنَ
الأَمْرِ شَيْئٌ" قال : و الأكثر على أن لا نسخ، وأن الدعاء على المشركين
جائز، وإنّما النّهي عن ذلك فى حقّ من يرجى تألّفهم ودخولهم فى الاسلام، ويتحمل فى
التّوفيق بينهما أن الجواز حيث يكون فى الدعاء ما يقتضى زجرهم عن تماديهم على
الكفر. والمنع حيث يكون فى الدّعاء عليهم بالهلاك على كفرهم، والتقييد بالهداية
يرشد إلى أنّ المراد بالمغفرة فى قوله فى
الحديث الاخر "اغفر لقومى فإنّهم لا يعلمون" العفو عما جنوه عليه فى نفسه
لا محو ذنوبهم كلّها لأنّ ذنب الكفر لا يمحى، أو المراد بقوله "اغفر
لهم" اهد لهم إلى الاسلام الذى تصحّ معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن
أسلمو[5]
وقال الإمام بدر الدين الحنفى فى كتابه عمدة القاري
شرح صحيح البخاري أنّ دعاء النّبيّ على حالتين إحداهما أنّه يدعو لهم إذا أمن
غائلتهم و رجا هدايتهم والاخرى أنه يدعو عليهم إذا اشتدّ شكوتهم و كثر أذاهم و لم
يأمن من شرهم على المسلمين[6]
إذن, يمكن
لنا الجمع بين هذه الآية والحديث، يمنع الدّعاء للكافر إذا كان لطلب المغفرة،
وأمّا الدّعاء للكافر الحيّ لطلب الهداية له جائز، فلذالك كان رَسُوْلُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم يدعو على قبيلة دوس لطلب الهداية له، وليس لطلب
المغفرة.
Komentar
Posting Komentar